• 2022-12-21

حينما يسبق الأفراد القيادة

د.علي عبدالغفار

الكاتب / د.علي عبدالغفار

القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص ومواصفات تؤهلها لهذه المهمة، منها امتلاك الرؤية الشاملة لقيادة الأفراد نحو الهدف، وبالتالي فالقيادة دائماً ما تكون سبَّاقة بالتخطيط والتحقيق، سبَّاقة بالتحرك والتكتيك، سبَّاقة بالقوة والمرونة، سبَّاقة بالإقدام والانسحاب، سبَّاقة بالأصالة والابتكار.
وإذا لم تتوفر هذه الصفات في قيادة المؤسسة فإنها ستموت وإنْ كان قلبها ينبض وعينها تبصر، ومن هنا تبدأ المؤسسة أو الكيان في الخسارة والضعف والتدهور حتى تنتقل إلى أرشيف التاريخ والذكرى ثم التلاشي، وهذا حال كل المؤسسات التي ماتت عنها قيادتها، إلا في حالات نادرة منها أن تكون المؤسسة أو الكيان قائماً على أيدولوجية غير هادفة للربح مثل: الكيانات الخيرية أو الفكرية، حيث يرتبط بها الأفراد ارتباطاً أيديولوجياً متعلقاً بالانتماء والولاء وقيم انسانية أو عقائدية.
من هنا يتجلى انتماء العاملين والمتمثل في تجمعات سريعة عشوائية لمحاولة إنقاذ المؤسسة، في جو من الخوف والألم النفسي على هذا التدهور الناتج عن تأخُّر القيادة، ويتحرك الأفراد المنتسبون للمؤسسة عبر تقديم مقترحات وأفكار عدة وسريعة ومتلاحقة لإصلاح القيادة، لعلهم يجدون لها طوق النجاة من الغرق في بحر الوهن والتراجع والتحجر، ولعلها تفيق من هذا السُّبات العميق.
وفي حالة تأخُّر إفاقة القيادة واستمرارها في الحركة تحت إقدامها، فقد يتجه الأفراد المنتسبون للمؤسسة إلى احدى الحالات التالية:
- يعيش البعض في التيه فلا يستطيع الالتحاق بمؤسسة أخرى، ولا يستطيع أن يستمر في هذه المؤسسة لأنها ماتزال خاوية على عروشها، وبالتالي يستمر هذا النوع في حالة اللامبالاة.
- يتجه البعض لتكوين كيانات مماثلة مع الخروج على قيادة المؤسسة الأم والتمرد على مستواها، مع محاولة الضغط عليها لتزداد غرقاً وتتلاشى فيتمكن الكيان العاقُّ من التمدد.
- يتمسك البعض بقيادة المؤسسة المريضة فيقدم لها وسائل الإسعاف الممكنة لعلها تفيق وتنفض غبار النوم والغفلة.
- يُصدم البعض في القيادة التي اعتبرها في يوم من الأيام قيادة رشيدة، فيفقد توازنه النفسي ويتوقف وينقطع عن المؤسسة، ويعقب ذلك إصابته بحالة من الاكتئاب وخيبة الأمل في كل المؤسسات المماثلة.
- يصبب البعض جام غضبه على القيادة بل وعلى المؤسسة وطريقتها ونظام عملها، ويظل ينتقد ويعترض دون تحريك ساكن مقتصراً على إفراغ جهده وإمكانياته في النقد والاعتراض.
وهكذا حينما تضعُف القيادة وتقف ساكنة، ويبحث الأفراد عمن يقودهم نحو حالة إنجاز، فيشعر الأفراد بالتيه ويتحركون في اتجاهات مبعثرة تحدِّدها طبيعة وظروف كل فرد، إلى أن تأتي قيادة ومجلس إدارة يأخذان بزمام المؤسسة، وتقول "ها أنذا".. وإلا فمقبرة الهزيمة وعذاب الضمير منتظر وأرشيف التاريخ المُظلم مفتوح والذي لا يرحم أيَّ متكاسل أو متراجع.

آخر المقالات

  • قاعدة (ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب) ونماذج من تطبيقاتها في الدّعوة والعمل الإسلامي

    2022-12-23

    هذه إحدى القواعد الفقهيّة الّتي يكثر تداولها في كتب الفقه ومصادره، ومفادها أنّ كلّ وسيلة لا يُتوصّل إلى فِعْل الواجب إلاّ بها فهي واجبة، لأنّ إيجاد الفعل المأمور به إذا توقّف على إيجاد شيء آخر كان هذا الشّيء واجباً، وكما أنّ وسيلة المحرّم محرّمة فكذل...

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • فاسألوا أهل الذكر (10)

    2022-12-22

    🔹 السؤال: رجل أشكل عليه موضوع فسأل عدداً من الفقهاء المتخصصين في علوم الشريعة، وكل واحد أجابه بجواب مختلف، فهل يجوز له أن يأخذ من أقوالهم أيسرها وأخَفِّها عليه؟ الجواب : إذا كنت قادراً على النظر في أدلة مَن أفتاك والترجيح بينها تبَعاً لقوة الدلي...

  • سمكة المجداف

    2022-12-21

    تشير بعض المصادر العلمية إلى أن السمكة المسماة سمكة المجداف عاشت على مدى زمني طويل جداً! وهي ذات أنف عجيب ويُعتقَد ان لديها القدرة على التنبؤ بالزلازل! ولملايين السنين كان نهر يانغتسي بالصين (وهو ثالث أطول أنهار العالم بعد النيل والأمازون) مأوى لأصن...

  • بروتوكول وآداب تناول الطعام

    2022-12-20

    عندما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتناول الطعام مرة وجد أن يد الصحابي الغلام (عمر بن أبي سلمة) رضي الله عنه تطيش في الإناء، فقال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء ومن غير غضب أو زجْر بهدف تعليم الغلام وتعليم الأمة واحدة من أهم آداب تناول الطعام وخاصة ...