• 2020-08-22

الأمراض النفسية.. وصحة العمليات الإدارية

دائمًا يتم التخطيط بشكل علمي وتطبق النظم بطرق جيدة وتصدر القرارات بشكل سليم، ومع ذلك لا يزال التعثر في تحقيق الأهداف فتفصل الخطة عن الواقع، وتزداد الضغوط النفسية على العاملين، فيسود عدم الرضا وتزداد الشكوى ويَعُم التناحر، بل وتتصاعد الأمور إلى إشغال يوميات المؤسسة بالمكر والخداع بين الأفراد فيتلاشي الولاء والارتباط بالمؤسسة ويتعطل الإنتاج.
لماذا كل هذه الظواهر السلبية والنتائج الغريبة؟ ألم نخطط بشكل علمي؟ ألم ننظم بدقة ونصدر القرارات الصحيحة؟! هل اتضح أن علماء الإدارة صدعونا بكلام على ورق ونظريات جوفاء لا تصلح للتطبيق؟
الواقع أن العلم جاء لمحاكاة الواقع بنظريات تجريبية تم تطبيقها وثبت نجاحها، فها هي المدرسة اليابانية في الإدارة والتي أخذت اليابان من الدمار إلى أعلى الدول تقدم ورفاهية، وها هي العلوم الإدارية التي أخذت بها أمريكا إلى أن أصبحت أقوى دول العالم، بل وقبل كل شيء ها هي العمليات الإدارية التي أخذ بها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى بسط سلطان الدولة الإسلامية على الولايات والأمصار، فضلًا عن خطط خالد بن الوليد العسكرية التي انتصر بها في كل المعارك والآن تُدرس بالمدارس العسكرية الأمريكية.
إذن فأين يقع الخلل؟ وما سبب هذه الظواهر السلبية التي نلمسها في المؤسسات والتجمعات؟ أستطيع أن أقول أن المشكلة ليست في عمليات الإدارة ولكن في نفسية من يطبق تلك العمليات، ليست المشكلة في علم الإدارة ولكن المشكلة في نمط وطبيعة من ينفذ مبادئ ونظريات العلم.
فقد تجد المدير صاحب النفسية النرجسية المتعالية الذي يهمل الأداء الجماعي ونظرية فرق العمل، التي اعتمدت عليها اليابان في طريقة إدارتها للمؤسسات، بل تجد بالمؤسسة الشخصية التقليدية النمطية التي لا تعترف بما هو جديد فيتوقف التخطيط وتعمل المؤسسة بنظام رد الفعل، ويُنظر إلى ورش العصف الذهني بأنها تضييع للأوقات، فيهرُب الإبداع من باب المؤسسة وتتحول عقول الأفراد إلى آلة حديدية تنفذ الأوامر فقط، وتتحول المؤسسة إلى امرأة عجوز تنتظر أجلها بعد طول عمر.
وقد تدخل مؤسسة فتجد بيئة العاملين مليئة بالأحقاد والحسد بما يساهم في إفساد بيئتها، وتنخرط في حل مشكلات الأفراد والتحقيقات، وتبتعد عن تحقيق الأهداف، وعندما نبحث عن أصل هذه الظاهرة فنجدها ترجع إلى مسؤول مُتصيِّد الأخطاء، يُدير العمل بشكل بوليسي يعشق التجسس على الأفراد من خلالهم.
وقد تري مبدأ التحسين المستمر الذي هو من أعمدة إدارة الجودة ينتحر يوميًا لا لشيء إلا لوجود مسؤولين لديهم مرض العجب بالذات، وأنهم يعرفون كل شيء عن أي شيء، فيغلقوا باب التجديد والتحسين طالما أتى من غيرهم.
وقد تفشل الاجتماعات، والتي يُفترض أن لها الأسس العلمية والمهارات الإدارية الثابتة، لكون رئيس الاجتماع يحب الحديث ولا يبالي بسماع غيره، فينقلب الاجتماع التشاركي إلى محاضرة ويتحول الأعضاء إلى تلاميذ تتلقي النصائح وتأخذ الواجبات بدون نقاش أو استفسار.
وهذا مسؤول بالمؤسسة يعاني من مرض الإعجاب برأيه فينفرد بقراراته ويستبد برأيه، فيلغي مبدأ المؤسسية في اتخاذ القرارات ليختصر هيكل المؤسسة في شخصه فقط وينظر للمؤسسة بأنها مُلكًا له، ويقضي على مبدأ التفويض الذي هو من أهم مبادئ إدارة المؤسسات والتجمعات.
وأحيانًا تجد مؤسسة يغلب عليها الفوضى وعدم الالتزام، وغياب تطبيق اللوائح وإهمال تنفيذ القرارات، وحينما تبحث عن أسباب هذه الفوضى وانتشار روح الإهمال تجد أن من ورائها شخصية إدارية ضعيفة لا تستطيع أن تواجه المواقف والأفراد، قليلة الحزم في تطبيق اللوائح والقرارات.
وبالتالي إذا كنا نريد النجاح في إدارة المؤسسات والتجمعات المختلفة فعلينا أن نبحث في نفسية من يدير هذه المؤسسات والتجمعات قبل التشكيك في إمكانية علم الإدارة، علينا أن نغير التصورات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة والطباع غير السليمة قبل أن ندير هذه المؤسسات، فنضمن تطبيق عمليات الإدارة بمبادئها ونظرياتها دون تلوين أو تغيير أو اختزال أو تغيب، فتسود العلاقات الحميمية ويدوم التواصل بين إدارة المؤسسة وأفرادها، وتعلو روح الولاء وتتحقق الأهداف وتزداد فاعلية فرق العمل، وترتفع معدلات إنتاجية الاجتماعات واتخاذ القرارات.. فقط عالجوا النفسية لتستفيدوا من العلوم الإدارية.

آخر أخبار د.محمد شاطر

  • "فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا"

    2022-10-17

    يقول الله تعالى في كتابه العزيز "مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا"، نزلت هذه الآية في أنس بن النضر، وطلحة بن عبيدالله -رضي الل...

  • "وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين"

    2022-08-21

    يبيّن الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حقيقة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي رحمة للعالمين لكل الخلق من الإنس والجن صغيرهم وكبيرهم ذُكرانهم وإناثهم. فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمن ليزداد إيماناً وتثبيتاً ورحمة للكافر ليخرَج من الظ...

  • "ونفسٍ وما سوَّاها"

    2022-07-20

    المسلم في معركة دائمة مع نفسه الداعية للهوى وحب الشهوات لمحاولة مجاهدتها وتهذيبها وإلزامها بالطريق القويم.. طريق الهداية واتِّباع الشرع. وقد عرض القرآن الكريم في أكثر من موضع لهذا الصراع الداخلي وذلك لأهميته إذ إن نتائج هذه المجاهدة ينبني عليها فلاح ...

  • "قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ"

    2022-06-17

    ساق الله سبحانه وتعالى في سورة (الصافات) وصف النعيم الذي ينتظر عباده الصالحين في جنة الخُلْد فبدأ الله سبحانه وتعالى هذا الوصف بقوله عزوجل "إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ* أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ" حتى قوله تبارك وتعالى "كَأَنَّهُنّ...

  • "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى"

    2022-05-20

    يقول الله تعالى في كتابه العزيز في افتتاح سورة الكهف وقصة أهل الكهف بقوله سبحانه جل شأنه "نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى"، وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة: "من هاه...

  • أدرك نفسك

    2020-12-04

    حينما ضجت الدنيا في الآونة الأخيرة بالغضب العارم من تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون الداعمة للرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وانتفض المسلمون في كل مكان من العالم يردون على تلك التصريحات بكلمات الشجب والاستنكار تارة وبمقاطعة المنتجات الفرنسية تا...