• 2021-09-16

إدارة

المنظور الإداري لقوله تعالى "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"

يصدع كثير من الدعاة والتربويين والمصلحين بهذه الآية الكريمة؛ لتأكيد ارتباط تغيير المجتمع بتغيير الفرد؛ كأحد مكونات هذا المجتمع، فلابد أن يتغير من الرزيلة إلى الفضيلة، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الإباحية إلى التعفف، ومن الجبن إلى الشجاعة، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن البخل إلى الكرم، ومن ثَم ينصلح حال المجتمع.
وعلى هذا المنوال يجب على متخصصي الإدارة الحديثة أن ينظروا للآية الكريمة بنفس الطريقة لكن بمنظور إداري، وذلك لتأكيد أن نجاح المؤسسات والمنظمات متوقف على تغيير أفرادهم؛ من العشوائية إلى التخطيط في حياتهم، ومن السطحية إلى العمق في الأفكار والأُطروحات، ومن التخبط في نشاطاتهم اليومية إلى تنظيم برامجهم اليومية، ومن الانفعالات العفوية إلى إدارة ذاتهم والتحكم في انفعالاتهم، ومن إدارة حياتهم بالموقف إلى إدارة شئونهم بالأهداف، ومن ردود الأفعال إلى حياة النظم والبرامج والضوابط، ومن الانشغال بالأفراد والأحداث إلى التركيز على الأهداف.
وهذه التحولات المطلوبة من أفراد تلك المؤسسات هي تحولات منطقية لنجاح وتقدم هذه المؤسسات، وإلا فكيف تطلب من مؤسسة أو منظمة أن تنجح في تحقيق أهدافها وأفرادها غير مقتنعين بالتخطيط، فضلًا عن قدراتهم في تحديد أهدافهم؟ كيف تطلب من مؤسسة التقدم والتنمية وأفرادها ليس لديهم رؤية شخصية لمستقبلهم؟ كيف تطلب من منظمة سرعة الإنجاز وأفرادها لا يستطيعوا إدارة أوقاتهم ووضع برامج ليومياتهم؟ كيف تطلب من مؤسسة الانجاز بمؤشرات علمية وأفرادها يستندون في حياتهم بمؤشرات الانطباعات والميول والأهواء؟
حينما نزلت الآية الكريمة "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" }الرعد:11{، نزلت بمفهومها الواسع الذي شمل جميع مجالات الحياة، من مجال عبادي وإيماني ومجال إداري واقتصادي ومجال سياسي واجتماعي، فقد قال "الإمام الجوزي" أن هذه الآية تعبر عن سنة من سنن خلقه ماضية فيهم، فلا تزول نعمة أو تنزل نقمة حتى يغير الأفراد أنفسهم، وقد قال سيدنا "علي رضي الله عنه": ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة.
فعلى الفرد الذي ينتسب إلى منظومة أو مؤسسة تريد النجاح أن يراجع نفسه حول المفاهيم الإدارية الشخصية والمهارات الإدارية المتعلقة بأداء وممارسة حياته، على كل فرد يريد لمؤسسته أو جماعته النمو والتقدم أن يمتلك هو نفسه مقومات إدارة حياته الشخصية بفاعلية، وأن يكون لديه من الطموح والاستعداد للنجاح بقدر ما يريد لمؤسسته وجماعته.
وهذا ليس مَدعَاة لإدارة هذه المؤسسات وتلك المنظومات أن تتوقف نحو الإدارة الفاعلة التي تتقدم بالمؤسسة، فعليها أن تدفع أفرادها إلى هذه السمات والمهارات الشخصية، حيث الكيانات الناجحة ما هي إلا مكون من أفراد ناجحين.
ومن هنا نكون طبقنا بشمولية قوله تعالي " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"