• 2021-06-16

رذاذ

المرجفون في المدينة

الإشاعة مرض مجتمعي خطير، وشر مستطير، وهي مذمومة ومحرمة ومجرّمة في الإسلام، وصاحبها مأزور غير مأجور، لأنها لو كانت مكذوبة مفبركة، فإن الكذب حرام في دين الله (وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).. وإن كانت صحيحة واقعة، لكن في إذاعتها مفسدة وأذى فإن ذلك محرم أيضاً بنصوص كثيرة.
ويزداد خطر الإشاعة إذا كانت تطلق ويكون لها أثر سلبي على الدين أو الأعراض أو الأوطان أو سلامة الناس وأمنهم.. لأنه يدخل في باب الإرجاف الذي بيّن القرآن الكريم خطورته وذمّه كما ذمَّ أهل النفاق وأصحاب النفوس الخبيثة {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}.
والإرجاف هو نشر الخبر الكاذب المثير للفتن والاضطراب في المجتمع بهدف إضعاف المعنويات وتثبيط العزائم.. والنبي ﷺ يقول (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
في هذه الفترة التي نعيش فيها جائحة كورونا التي أربكت كل شيء، نحتاج أشد ما نحتاج إلى تهدئة النفوس وطمأنة القلوب لنتجاوزها بإذن الله تعالى برجوعنا إلى ربنا أولاً، ثم باتخاذنا الأسباب واتباعنا الإجراءات الاحترازية.
ولكن الأزمة تزداد تفاقماً حينما يتكلم كل واحد منا فيما لا يعنيه، وينظِّر فيما لا علم له به.. تزداد المشكلة سوءاً حينما يأتي المرجفون بأخبار كاذبة، أو ينشرون معلومات مغلوطة، أو يعممون بيانات لا أساس لها من الصحة، أو يشككون في قدرات المتخصصين، لأن ذلك من شأنه أن يُحدث الاضطراب، ويوهن العزائم، فربما صدق بعض الناس هذه الأراجيف، فتأثروا بها سلباً وتناقلوها بينهم.. والنبي ﷺ يقول (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع).
ومن المضحك المبكي أن يعتمد بعض المرجفين مصدر (يقولون) أو مطية (كما وصلني) دون التحقق والتثبّت، ولهؤلاء نهدي قول النبي ﷺ (بئس مطيّة الرجل زعموا).
بل إن النبي ﷺ حذر من إلقاء الكلام على عواهنه ونشره دون التأكد من ثبوته وصحته، ودون النظر في مآلاته وعواقبه.. قال رسول الله ﷺ (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبيّن ما فيها، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).
لذلك فإن الهدف من كل ما ذكرناه ونقلناه من هدي النبي ﷺ هو التحذير من نشر الإشاعات، وترديد الكلام دون تمحيصه والنظر في آثاره، والدعوة إلى استقاء المعلومات من مصادرها ومظانّها، وسماع التوجيهات من أهلها والمتخصصين فيها، فنحن في حالة أحوج ما نكون فيها إلى تحري الدقة فيما نقول وننشر، وأن نتقي الله في أنفسنا ومجتمعنا وبلادنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
والله من وراء القصد

آخر أخبار الشيخ عبدالناصر عبدالله

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • عيسى بن محمد.. النَّبع الذي مايزال يتدفَّق

    2022-10-18

    لا أدري ما الذي دفعني في هذه اللحظة، وأوجَد الرغبة في نفسي أن أكتب عن عيسى بن محمد؟! هكذا فجأة.. وجدت نفسي أريد أن أكتب عنه.. لا أدري لماذا؟! هل لأنني فقدت المرجع الذي كلما أردنا الفصْل في بعض القضايا بحكمة وتعَقُّلٍ ذهبنا إليه؟! هل لأنني فقدت صاحب...

  • سِلْفي مع الكعبة

    2022-08-17

    جاء في الحديث (إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء) في إشارة إلى لفتة تربوية نبوية تربِّي المسلم على أهمية تجريد القصْد في العبادة من كل شيء وصرْفها لله وحده امتثالاً لقوله تعالى"وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّ...

  • الاستغفار.. ضمانٌ وأمان

    2022-07-16

    إنه طاعة من أعظم الطاعات، وقُربة من أنفع القُرُبات.. شُرِعت في كل وقت وحين.. لاتأخذ منك كثير جهد ولا وقت، لكنها من حيث أثرها تزن الجبال الراسيات. وهو عبادة تعقُب العبادات، كالصلوات وقيام الليل والحج وسائر العبادات، وتُختَم بها المجالس طلباً للصفح وا...

  • رحيل العظماء

    2022-06-18

    لعمرك ما الرزية فَقْدُ مالٍ ولا شاةٌ تموت ولا بعيرُ ولكن الرزيةَ فَقْدُ فَذّ يموت لموته خَلقٌ كثيرُ إن رحيل العظماء والعلماء والدعاة والمصلحين مصيبة شديدة الوقْع على الأمة كلها، لأن في ذهاب هؤلاء ذهاباً للعلم الذي يحملونه، وتوقُّفاً للدعوة التي ي...

  • علوٌّ في الحياة وفي الممات

    2022-04-20

    من المواقف البطولية الخالدة موقف الصحابي الجليل عمرو بن الجموح رضي الله عنه، وهو أحد أصحاب الأعذار الذين أجاز الله لهم التَّخَلُّف عن القتال بسبب إعاقته لأنه أعرج، والله تعالى يقول "لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَ...