• 2021-03-11

شهر يغفل عنه الناس

نعيش هذه الأيام موسماً فاضلاً قلَّما ينتبه الناس إلى ما فيه من عطايا ومكارم من رب العالمين.. نعيش شهر شعبان الذي كان يلقى من الحفاوة عند رسول الله ﷺ ما لا يلقاه غيره من الشهور إذا ما استثنينا شهر رمضان المبارك.
وقد علَّل النبي ﷺ اهتمامه بشهر شعبان بأنه شهر يغفل عنه الناس، فعن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال ﷺ: (ذلك شهر يغفل عنه الناس، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفَعَ عملي وأنا صائم)
نعم.. إنه شهر يغفل عنه الناس كغيره من أوقات الغفلة التي لا يدرك كثير منا أهميتها، وربما تمر علينا دونما استثمار أو استغلال، وربما خطر على بالنا أن نقضيها في كل شيء إلا الطاعة والعبادة، إلا من رحم الله منا.
ومعلوم أن الطاعة والعبادة وذكر الله سبحانه واللجوء إليه في زمن الغفلة وانشغال الناس.. كل ذلك من دلائل هداية الله لعبده وتوفيقه له واصطفائه دون الآخرين.. فمن وفقه الله إلى ذلك فليحمد الله، ومن حرم هذا الفضل فليفتش في نفسه لعل فيها من الخلل ما يمنع هذا التوفيق (وإنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزقَ بالذَّنْبِ يُصيبه).
تأمل جيداً لتكتشف أن الله سبحانه يحب أن يكون العبد واعياً منتبهاً، ذاكراً ربه حين يغفل الناس.. ألا ترى (أن شرف المؤمن قيامه بالليل) حين يهجع الناس وينامون؟!! لكن فئة موفقة من عباد الرحمن استحقوا ثناءه سبحانه في قوله {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
حين يستنفد الناس كل قواهم العقلية والذهنية داخل الأسواق في البيع والشراء والجدال والفصال، وفي المجالس بالغيبة والنميمة والفارغ من القول، يستحق أقوام كرم الله سبحانه، لأنهم ما غفلوا عن ذكره {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}
يأتي شهر شعبان ليعلمنا أن الغفلة مصيبة عظيمة، وأن على المسلم أن يقاومها بدوام الذكر والشكر، وأن يعلم أن ما عند الله من فضل لا يناله الغافلون المتكاسلون المفرطون (وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ).
فيا من أكرمه الله بإدراك شعبان.. اعلم أن عظم الأجر والثواب، على قدر المجاهدة والمشقة.. تقول أمّنا عائشة رضي الله عنها (إن لك من الأجر على قدر نصبك).
يا من أدرك شعبان.. لو دفعت الأموال، وبذلت الغالي والنفيس، فإنك لن تحظى ببرنامج تدريب عملي يؤهلك بدنياً ونفسياً لحسن استثمار شهر رمضان المبارك كهذه الأيام الفاضلة، لأنك لو أحسنت استغلال شهر شعبان، فإن حالك -ولا شك- لن يكون كحال من تفاجأ بدخول رمضان ولم يستعد له.
اللهم بارك لنا فيما بقي من أيام شعبان، وبلغنا رمضان، وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعل لنا أوفر الحظ والنصيب من بشارة النبي ﷺ لمن صام وقام رمضان وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً (غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
والله من وراء القصد

آخر أخبار الشيخ عبدالناصر عبدالله

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • عيسى بن محمد.. النَّبع الذي مايزال يتدفَّق

    2022-10-18

    لا أدري ما الذي دفعني في هذه اللحظة، وأوجَد الرغبة في نفسي أن أكتب عن عيسى بن محمد؟! هكذا فجأة.. وجدت نفسي أريد أن أكتب عنه.. لا أدري لماذا؟! هل لأنني فقدت المرجع الذي كلما أردنا الفصْل في بعض القضايا بحكمة وتعَقُّلٍ ذهبنا إليه؟! هل لأنني فقدت صاحب...

  • سِلْفي مع الكعبة

    2022-08-17

    جاء في الحديث (إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء) في إشارة إلى لفتة تربوية نبوية تربِّي المسلم على أهمية تجريد القصْد في العبادة من كل شيء وصرْفها لله وحده امتثالاً لقوله تعالى"وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّ...

  • الاستغفار.. ضمانٌ وأمان

    2022-07-16

    إنه طاعة من أعظم الطاعات، وقُربة من أنفع القُرُبات.. شُرِعت في كل وقت وحين.. لاتأخذ منك كثير جهد ولا وقت، لكنها من حيث أثرها تزن الجبال الراسيات. وهو عبادة تعقُب العبادات، كالصلوات وقيام الليل والحج وسائر العبادات، وتُختَم بها المجالس طلباً للصفح وا...

  • رحيل العظماء

    2022-06-18

    لعمرك ما الرزية فَقْدُ مالٍ ولا شاةٌ تموت ولا بعيرُ ولكن الرزيةَ فَقْدُ فَذّ يموت لموته خَلقٌ كثيرُ إن رحيل العظماء والعلماء والدعاة والمصلحين مصيبة شديدة الوقْع على الأمة كلها، لأن في ذهاب هؤلاء ذهاباً للعلم الذي يحملونه، وتوقُّفاً للدعوة التي ي...

  • علوٌّ في الحياة وفي الممات

    2022-04-20

    من المواقف البطولية الخالدة موقف الصحابي الجليل عمرو بن الجموح رضي الله عنه، وهو أحد أصحاب الأعذار الذين أجاز الله لهم التَّخَلُّف عن القتال بسبب إعاقته لأنه أعرج، والله تعالى يقول "لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَ...